يقف خلف ميلاد المرة الأولى التي أمسك فيها كاتبٌ بقلم أو جلوسه أمام لوحة مفاتيح يقيد من خلالها ما يجول في خلده ، يقف حدثٌ هام غيّرَ من ذلك الكاتب وجعله يتجاوز الخطوة الأولى نحو أخراج ما يعرفه وتدوين ما يدركه من حقائق أو معارف .
كثيراً ما وجدت أني أمسك القلم منساقاً مع حدثٍ ما أومتفاعلاً مع واقعةٍ ما ، أكتب خاطرةً تارة وأحلل تارة وأنقل تارة ، غير أني ما استشعرت ذات حين لِمَنْ أكتب أو لماذا ؟
لعل هوس الكتابة يرفض الإنقياد لشخصٍ بعينه أو يتهرب من الخلود في محيط جماعةٍ بذاتها .
الكتابة الحرة طريق قويم يؤدي بصاحبه لتكوين شخصيةٍ مستقلةٍ حرةٍ تأبى كل شئٍ لا يكون خارج من الأعماق وبقناعةٍ تامة . لذا غالباً ما نجد أولئك الأحرار الذين اعتادوا تجريد أقلامهم من أغمادها تحت راية الرغبة الشخصية في الكتابة بعيداً عن سلطة آخر أو سطوة جماعة ، نجدهم أصدق في مايقولون وأوضح فيما يسطرون ، وألبق فيما يمارسون،
نجدهم مهيأين للصدح بالحق دون الخوف من لومة لائم أو هجمة غاشم ، جيوبهم خاوية من مالٍ لوثته المحسوبيات أو شوهته التحزبات والعصبيات .
أخيراً وجدت جمالاً وبريقاً في روح الحرية التي يتمتع بها القلم كلما سلِمَ من داء التبعية وكان أبيّاً لايطيع إلّا عقل الكاتب وضميره ونداء الحقيقة الهادئ .