جميع من شغفوا بحب القراءة والاطلاع ، لا يكاد أحدهم إلا ويجد في نفسه رغبة متزايدة في قراءة وتصفح المزيد من الكتب التي تكتظ بها مكتبته الخاصة ، أو التي وقعت عينيه على إحداها على أرفف المكتبات العامة أو الخاصة ، أو ما ذكر له منها من آخرين قراؤها .
ولا ريب أن لكل أحد ممن وجدوا متعتهم في مصاحبة الكتب وقراءتها طقوسه التي يزوال فيها متعته الخاصة ، ويتلذذ بالتهام الصفحة تلو الأخرى منتشيا بحجم ما ينسكب عليه منها من جديد المعرفة ومتجدد المعلومة ومسترجع الفائدة .
والنماذج التي زودنا التاريخ أو الواقع بها في الانغماس في ملذة ما يقع بين أيديهم من روائع الكتب جمع كثير لا يمكن حصرهم ، أذكر منهم على سبيل العرض لا على سبيل الحصر ، ما جاء في ترجمة الفيروزآبادي صاحب ( القاموس ) أنه قرأ بدمشق على ناصر الدين بن جهبل صحيح مسلم في ثلاثة أيام وهو يقع ( صحيح مسلم ) في أربع مجلدات . وذكر نجم الدين الغزي وهو ابن عالم الشام في زمانه بدر الدين الغزي أن برهان الدين البقاعي قرأ على والده كتاب البخاري في ستة أيام وهي قراءة مطالعة وتدارس ، وقرأ أيضا صحيح مسلم في خمسة أيام . وممن كان لهم جلدا وصبرا على القراءة والمطالعة أبي بكر باعلوي الشلوي الذي قيل عنه أنه قرأ كتاب إحياء علوم الدين ﻷبي حامد الغزالي في عشرة أيام وهو كتاب يتكون من خمس مجلدات . والنماذج تزيد وتربو عن الحصر في سطور قلائل وللاستزادة عمن كان لهم نفس طويل وجلد عظيم على القراءة يمكن مطالعة فصل ( القراءة الجردية ) من كتاب مسلكيات للكاتب إبراهيم السكران .
أما عن أماكن القراءة والمطالعة فللناس في ذلك طقوس ومذاهب ، ولكل منهم منهجه ومسلكه . فعلى سبيل المثال يرى الكاتب ويستان آودن أن الكتاب يجب أن يتناقض مع المكان الذي يقرأ فيه ، إذ كان يجد أن ذلك مما يعين على استيعاب ما فيه وترسبخ مفاهمه . ويقول هنري ميللر : إن أفضل قراءاتي حدثت في دورة المياه ويوافقه على ذلك الكاتب والقارئ مارسيل بروست ، ومن الذين لهم طقوس مختلفة عمر الخيام الذي كان يوصي بقراءة الأشعار في خارج البيوت تحت ظل الأغصان ، كما ذكر القارئ شللي أن له عاجة غريبة في طقوس القراءة إذ ذكر أنه كان يتعرى ويجلس على صخرة جرداء ليقرأ هيرودتس حتى يتوقف العرق عن التصبب ، وتقول مارغرت دورا : لايمكنك أن تقرأ في مكان يتعرض إلى ضوءين دفعة واحدة ضوء النهار وضوء الكتاب . عليك أن تقرأ على النور الكهربائي وهي بذلك تدعوا إلى القراءة في الغرف المغلقة إذ تكون مغمورة بالظل والضوء مسلط على صفحة الكتاب .
إن من يتتبع سير القراء العظماء ويتأمل مسلكيتهم في تناول ما يقرأون ، يجد نفسه مشدوها فاغر الفاه من عجائب فعالهم وغرائب ديدنهم . ولا ثمة شك أن النماذج تتكرر وتتشابه أو تتباين في كل زمان ومكان ، إنني على يقين أن الكثير وجد أن إحدى هذه أو تلك الشخصيات الشهيرة والضليعة في الاطلاع والقراءة تمثله وتشابهه بشكل كبير .
عني أنا أجد متعة كبيرة في تصفح بعض الكتب في السيارة أو عند الإشارات المرورية أو في زوايا المقاهي ذات الإضاءات البانورامية .
ماذا عنكم أنتم ؟ أين تجدون متعة القراءة ؟