وقد لا تكون النظرة إذا ما استوطن الحب قلبا يتيمة ، بل علها إذا ما استحكمت حول مداه حلقاتها كان الهلاك ، كان هذا ما استخلصته من قصة العاشق الذي تطبب على يد الطبيب الحاذق الفذ الحسين بن عبدالله بن علي ابن سينا .
تدور أحداثها حينما نزل الحسين ابن سينا في خان بمدينة همذان مع صاحبه وتلميذه أبي عبيدة وعلما من صاحب الخان أن للأمير شمس الدولة البويهي ( حاكم همذان ) قريب نزل به مرض احتار فيه أطباء همذان ولم يجدوا له دواء يستطب به ، فقد لازم الصمت وعزف عن الطعام والكلام ولم يبدي لأحد عما يعانيه . وكان للقدر كلمته أذ استطاع الحسين ابن سينا أن يصل إلى ذلك الأمير العليل بعدما يسر له صاحب الخان السبيل إلى ذلك ، وجده شابا وسيما شارد الذهن يرقد على فراش المرض والشحوب كاسيه ، وقد فطن بعد فحصه أنه ليس بعليل جسد وأن علته في نفسه ، فطلب الحسين أن يؤتى برجل يعرف كل البلاد البويهية وكان تاجرا يعرف المدن والقرى فأمره أن يملي عليه أسماء تلك البلاد وقد وضع الحسين يده على معصم الأمير المريض يجس نبضه وأخذ التاجر يسرد أسماء البلاد حتى ذكر مدينة بعينها فازداد نبض الأمير العليل ، فصرف حينها التاجر وأمر أن يؤتى برجل من أهل تلك المدينة يذكر أحياءها وبيوتها وشوارعها حتى وقف على اسم بيت فيها فأخذ قلب الأمير يخفق بشدة ، وحين نطق الرجل اسم فتاة بعينها اضطرب الأمير وارتجفت جفونه وانهمرت دموعه . ففطن أنه الأمير يعشق الفتاة وليس به علة إلا الوجد عليها والتوق لوصالها ، فأخبرهم بحالته وكان أن زوجوه إياها فطابت النفس وهجع الجسد والتم الشمل .
براعة الحسين بن سينا في الطب تداوي الأمير العليل المحب من خلال ربطه لما يعانيه الأمير من تعب وضيم بحالته الوجدانية والغرامية فيستدل عبر تتبع نفسي إلى داءه ودواءه دون وعز ما يشعر به إلى علة جسدية أو عاهة خلقية .
وليس كل داء ،، رداءه الجسد . رحم الله الطبيب ورحم الله النباهة ورحم الله القلوب العاشقة .