مبادرة …
في بادرة غير مستغربة على شاب سعودي يحمل الولاء والانتماء لوطنه وحكومته ، مدعوماً بالموهبة والخيال والحس المرهف والقدرة على تطويع الموجودات ، بادر الشاب الرسام أحمد زهير القرني أحد سكان مدينة جدة برسم لوحة مؤثرة ومعبرة عقب وفاة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ال سعود ، مجسداً فيها حجم الفقد الذي خلّفَه رحيل الملك في شعور المواطن وخيال الرسام .
هذه الرسمة لاقت قبولاً ولفتت الأنظار إليها من داخل وخارج الأقطار وتداولها الكثيرون عبر مواقع التواصل الاجتماعي وصاحبها الكثير من التعليقات والإشادات ومشاعر الافتخار والامتنان له على قدرته في نقل صورة الألم عبر ريشته من الصدور إلى لوحة فنية تزيّنت بها جدارية أحد شوارع جدة .
عبثية غير مسئولة …
لم تكد الأيام أن تنطوي والساعات تمر حتى بدأت الجموع تتوافد لزيارة موقع رسم اللوحة وترى الجميع وهم يلتقطون الصور مع هذه الجدارية في مشهدٍ رائع لا شك في أنه ترك أثراً وانطباعاً في نفس الرسام ، وذلك مما سينعكس حتماً على موهبته وفنّه ، ولكن مالم يكن في حسبان الفنان ولا إدراكه هو تلك الأيادي العابثة التي طالت لوحته وغيّرت من معالمها بشكلٍ فوضويٍ لم يحترم مناسبتها ولا موضوعها ولا حجم الشعور الذي صاحب لحظات ميلادها ، اللوحة التي رسمت بريشة غمست في اللون الأسود لتجسد حزن أحمد زهير كما أوضح ذلك ، لم تستطع حماية كيانها ولم تحظَ بالرعاية اللازمة والاهتمام المفترض من قِبَل الجهات المعنية من أمانة ووزارة ثقافة وإعلام وجمعية فنون تشكيلية ، وتهيئة المكان بما يخدم مناسبتها والاحتفاء بها كـ فنٍ نبيلٍ وتحفة تضاف لمدينة جدة . من يشاهد الجدارية في وقتنا هذا يدرك ما أعنيه من العبثية غير المسئولة التي لحقت بها وشوّهت تفاصيلها الفنية ، فقد باتت أشبه بورقة امتلأت بتوقيع المراهقين وحساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي .
لوحة العشاء الأخير …
الفن في الكثير من بلدان العالم اكتسب قيمته من الحفاوة التي لقيها من الشعوب التي وجدت فيه رقيّاً وتحضّر و وجدت أنه رسالة يمكنها أن تختزل الكثير من كتب التاريخ في لوحة تبدع في تكوين نسيجها يدٌ ماهرة وحساسة يسيرها حس مرهب وخيال واسع . في إيطاليا حظيت لوحة العشاء الأخير للفنان ليوناردو دافينشي بشهرة واسعة واهتمام عظيم نتيجة رعاية الجمعيات المعنية لها والاهتمام بها وإبراز الدور الكبير لها ، ومثلها في أسبانيا لوحات الفنان بابلو بيكاسو و كذلك فان جوخ وغيرهم من مشاهير الرسامين في العالم .
خروج …
في تعريج على حساب الرسام أحمد زهير في موقع التواصل الإجتماعي الانستقرام تجد الكثير من التعليقات المسيئة والمتطاولة ولكنها ليست على اليد العابثة التي جارت على الفن من خلال تشويه هذه الجدارية المميزة ، بل الأمر السيئ أن أغلب التعليقات التي حاولت الدفاع عن الجمال والفن مارست التشويه من جانب آخر وذلك من خلال الإساءة للشعب السعودي بأكمله و وصمه بأنه عابث وغير مبالي ولا يتذوق الفن ، وهذا مما يجانب الصواب حتماً ، ولا يختلف اثنان أن هناك الكثير ممن أحزنهم هذا العبث الضوضائي والتخريب البهيمي ، لذا فمن وجهة نظري ليس إنصافاً أن يلام شعبٌ كامل لغلطة أفراد لا مبالين .
رسالة ،، الجمال حين يشوه لا يعالج إلّا بالجمال .