شكلت الاضطرابات والصراعات في الوطن العربي المكان الخصب لنشوء الجماعات والأحزاب الإرهابية ،التي عمدت على عرقلة مسارات الحكم الرشيد،وعززت الفتن والشقاق في البلدان العربية.
فبعد الحديث الواسع في وسائل الإعلام عن تنظيم داعش وسيطرته على أقلام الكتاب والنقاد ،كان لابد من الوقوف العميق حول فكر داعش ، هل هو وليد هذا العصر؟ أم أن له أصول دينية تاريخية امتد منها ،هناك قاعدة يُقعدها العلماء في باب العقائد إن كل فرقة تخرج يكون تقعيدهم في أول خروجهم ،فمثلا الخوارج في أول خروجهم يقعدون لهم قواعد ،وكذلك الحال عند المعتزلة والمرجئة وغيرهم من الفرق ،وسيتم ربط المتقدمين من المتأخرين حتى نرى إن كان هناك تطابق في صفات الخوارج وداعش ، حيث سيتم إسقاط خطابات وبيانات قادة داعش على تاريخ وأصول الخوارج،هنا يقول العدناني المتحدث الرسمي باسم داعش :من أراد أن يعرف منهج الدولة الإسلامية وسياستها وفتاويها فليرجع الى بياناتها وخطابتها من مصادرها.
الأمر الأول: يقول :ابن كثير رحمة الله في كتابه البداية والنهاية يصف حال الخوارج لما خرجوا “خرجوا يتسللون وحداناً لئلا يعلم احد بهم فيمنعونهم من الخروج من بين الآباء والأمهات والإخوان والخالات وفارقوا سائر القرابات ،يعتقدون بجهلهم وقلة علمهم وعقلهم أن هذا الأمر يرضي رب السموات والأرض ولم يعلموا انه من اكبر الكبائر والموبيقات، بالمقابل يقول البغدادي في خطبته التي أعلن فيها قيام دولة الخلافة الإسلامية “داعش” بوجوب هجرة المسلمين إلى دولة الخلافة لأنه بات اليوم للمسلمين دولة خلافة .
الأمر الثاني:أنهم ينصبون خليفة بدون مشورة المسلمين،فيذكر ابن الأثير في كتابه الكامل في التاريخ: أن الخوارج اجتمعوا في منزل زيد بن حصن الطائي ثم بايعوا عبد الله بن وهب على الخلافة ،فكانت البيعة في بيت بأطراف الكوفة ،في حين يزف العدناني خبر إعلان قيام خلافة الدولة الإسلامية وتنصيب خليفة للمسلمين ومبايعة الشيخ القائد سليل النبوة عبد الله بن إبراهيم بن عواد ،وهنا يسرد نسبه حتى ينتهي إلى الهاشمي الحسيني.
الأمر الثالث: تصلبهم على أرائهم وتكفير عموم المسلمين ،وهنا يقول ابن كثير:أن زيد بن حصن الطائي خطب بالخوارج قائلاً :”اشهدوا على أهل دعوتنا أن قد اتبعوا الهوى ، ونبذوا حكم القرآن ،وجاروا في الحكم والعدل وأن جهادهم فرض على المؤمنين”،بالمقابل بالشق الأخر يقول العدناني :أن جيوش الطواغيت من حكام ديار المسلمين هي بعمومها جيوش ردة وكفر، والقول اليوم بكفر هذه الجيوش وخروجها من الدين ، وبوجوب قتالها وفي مقدمتها الجيش المصري.
الأمر الرابع: أنهم يحصرون الحق في ما بينهم دون غيرهم ،وهنا يذكر ابن الأثير أن عبد الله بن وهب الراسب قال:اخرجوا بنا من هذة القرية الظالمة أهلها إلى بعض كور الجبال ،في حين يقول العدناني: أن الدولة الإسلامية هي أملكم الوحيد الصادق بعد الله عز وجل للخروج من النفق المظلم الذي أدخلكم فيه زعمائكم.
الأمر الخامس:يقاتلون من خالفهم فلا يقاتلون قتال فتنة إن وقع كما حدث في صفين والجمل ،بل استباحت كل من الخوارج و داعش دماء كل من خرج عن صفهم وخالفهم باعتباره كافر.
الأمر السادس: الاستعراض بقتل الجميع ، والاستعراض هو من شَهر سلاحه ثم وضعة في الناس حتى استعرض الناس جميعا، وهنا انتهج كل من الخوارج وداعش هذا المنهج.
الأمر السابع :قتلهم رسل مخالفيهم ،وهذه صفة من الصفات النادرة بين الفرق الإسلامية التي امتازت بها الخوارج ،فالمعروف أن الرسول لا يُقتل في جميع الأديان والمواثيق ،وهذا تمام ما انتهجته داعش ويظهر بقتلهم للشيخ جلال الدين بايرلي الذي عرف بنفسه أمامهم بأنه رسول صلح .
الأمر الثامن والأخير :التوبة عندهم أن يقر على نفسه بالكفر،فمن أتاهم عليه الاعتراف بكفره ثم النطق بالشهادتين ،تماماً كطلب الخوارج من علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يشهد على نفسه بالكفر ،بالمقابل هذا ما يقوم به تنظيم داعش لكل من أرد الانضمام إلى صفوفهم.
يتضح مما سبق تطابق ما اسُقط من صفات الخوارج على داعش ،حيث يبدوا جلياً أن داعش سارت بخطى محكمة على نهج الخوارج ،بل تفوقت عليهم في استباحة دماء المسلمين تحت غطاء ديني مزيف ،فعمدت داعش على تسيس الدين وتسخيره لخدمة سياستهم ،فأوجدوا فكرة إقامة دولة الخلافة الإسلامية حتى يعطوا لأنفسهم الصبغة الشرعية الدينية في السيطرة على الوطن العربي ،واستباحة دماء مخالفيهم.
فكان بالنهاية الجواب الشافي الوافي من مفتي المملكة العربية السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ باعتبار داعش والقاعدة امتداد لجماعة الخوارج.
وتبقى حقيقة معضلة وهو توسع داعش في سوريا ،و العراق لابل امتدت عمليتها إلى فرنسا وتونس والسعودية وليبا وتحاول الوصول إلى افغانستان ،فسواء كانت داعش امتدا لفرقة الخوارج، أو تنظيم وليد هذا العصر يبقى هذا التنظيم الأشد خطرا على الأمة الإسلامية وعلى الدين الحنيف المعتدل المتوسط ،بل على البشرية جمعاء لقتلهم الأبرياء وسفك الدماء المعصومة من المسلمين وغير المسلمين باسم الدين ،والدين منهم براء.
أ.عايدابوعرة