في يوم الاثنين 17/ 11/ 1434هـ الموافق 23/9/ 2013م ، دخل أخي ذو المرحلة المتوسطة وهو يحمل العلم السعودي ويلبس قبعة فيها سيفين ونخلة ويخرج من عينيه شعور بالسعادة ، وأخذ يخبرني بما رأوا في الشوارع هو ووالدي من ازدحام السيارات وتراقص الشباب ولباسهم وشغبهم والألعاب النارية والشعبية ، قلت له (أنت حضرت كل هذا وأعطوكم اليوم إجازة من المدرسة لأنه يوم وطني ، ماذا يعني لك اليوم الوطني ؟ ) ، قال (يوم نحتفل فيه لأننا سعوديين وهو يوم توحيد المملكة ) ، فعرفت أن فهمه هذا المليء بالتفاخر كان بسبب ما يراه من احتفال فارغ ، فتمنيت أن هذا اليوم يمتلئ بالاحتفاء الواعي الذي يذكر كل مواطن بما له وما عليه تجاه وطنه ، احتفاء وطني تعززه العقيدة لا احتفال فارغ بدَّعه بعض علمائنا .
فبينت له أن الهدف من هذا اليوم الوطني هو التذكير بأن النعم التي نعيشها اليوم من عقيدة صحيحة وأمن وأمان كانت بسبب جهود بذلها أجدادنا من أجل رفع (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وطلبت منه بأن لا يرضى أبدا لهذا العلم غير الرفعة وأن لا ينزلها ولو قطعوا يده !.
أخبرته بأن هناك من يحسدنا وقد يحاول أن يلوث فكره ضد وطنه وعقيدته السلفية الصحيحة ، وهذا اليوم هو اليوم المناسب ليتعلم كيف يحصن نفسه وعقيدته من أعداء وطنه ودينه .
أخبرته بأن هناك من يهدد أمننا وسعادتنا ، فإيران شرقا وبشار وحزبه شمالاً والسيسي المتمرد غرباً والحوثيون التائهين جنوباً ، ومن الداخل خلايا ونوايا سيئة تستغل كل خطأ لهد هذا الكيان ، ولكنه عندما يكون (قوي بعلمه وقوي بدينه وقوي بجسده )سيستطيع أن يرفع علم التوحيد ويحافظ على أمن وطنه وأمانه .
أخبرته بأن سعوديتنا مرت في العقود الماضية القريبة بمراحل انتقال من حياة البداوة إلى الحياة المدنية ، فجيل أبائنا كانوا يعيشون الانبهار بهذه النقلة وهم مقتنعين جدا بما وصلوا له ، أما جيلنا الذي ولد في الحياة المدنية لم يعد يبهره شيء ، بل أصبح أكثر تبصرا بعيوب الواقع وأكثر نقدا لما وصلوا له ، فخرج من جيلنا صنفين :صنف يتصيد الأخطاء الدينية ويتعامل معها وكأنها كوارث تاريخية ويصنعون شعور بالغربة وبانحطاط المجتمع وأن المسألة تحتاج جهاد وفتح إسلامي جديد فيكفرون هذا ويصنفون هذا وأصبحوا خلية تهدد أمن الوطن ،وصنف يتصيد الأخطاء التنموية ويصنع لنا شعور بالتخلف وبغرابة المجتمع ويقارن عيوب الواقع بتطور الغرب فلا يتبادل لذهنه غير (المرأة فهي المشكلة والحل) ليجعل أن سبب أخطاءنا هو غياب وجه المرأة عن عينيه وغياب جسدها عن مزاحمته !!! فيسب الدين والعلماء ويفرط في النقاش في قشور لا فائدة من ورائها ويضيع مصلحة الوطن بشهواته وأصبحوا خلية تهدد عقيدتنا . هؤلاء في إفراط وغلو وهؤلاء في تفريط وانحلال ، العالم انشغلوا بصنع الطائرات والأقمار الصناعية وكل يوم يخرجون لنا بجهاز واختراع وهؤلاء أشغلونا ، فهذا يفسق هذا ، وهذا يرد بكتاب على هذا ، وهؤلاء استولوا على الصحف والإعلام ، وهؤلاء أصبح لهم قناة ترد على هؤلاء ، وذلك يكتب مقال عن المرأة يتحدى فيه المجتمع ، ويضيع وقت معظم الشعب وهو يرتوت ويغرد لهم او عليهم ، صنفين متضادين تماما (أشغلونا وضيعونا ولم يحلوا مشاكلنا ) .
أخبرته بأن أصحاب الإفراط باسم الجهاد أعجبتهم فتوى تحريم اليوم الوطني فاخذوا يهيجون عواطف المجتمع الدينية ضد الوطن ، وأصحاب التفريط باسم التنوير أعجبتهم فتوى الإباحة فأخذوا يحتفلون احتفالات فارغة وبلا حدود ويستغلون غريزة المجتمع الوطنية ضد الدين ، وتاه المجتمع بين استغلال هؤلاء وهؤلاء ضد الوطن أوالدين فتصلنا رسائل متناقضة متأثرة من هؤلاء وهؤلاء ،وعليه أن يكون وسطي لا إفراط ولا تفريط محباً للوطن والدين.
أخبرته بأن التحريم المطلق أو التحليل المطلق للأشياء أمر لا تتقبله العقول ولا الأرواح ولا الأنفس المتزنة ، فالتقوى تضبطنا ، والعادات الخالية من العبادات لاتسمى بدع ، فلو وقف في المدرسة وألقى أنشودة أو كلمة عن أهمية الوحدة والائتلاف بدون تهنئة او احتفال أو تكاليف مادية أو معازف وصخب فيكون شارك في التوعية (باحتفاء) يستحقه الوطن ويحتاج المواطنين ان يذكرهم به ، لن يكون كما الشغب والاحتفال الفارغ ، ولن يكون كما الانطواء وكبت الغريزة الوطنية .
أخبرته بأن سعوديتنا مازالت في مرحلة ابتدائية مدنية ،ومازالت تحتاج لتعاوننا لتعمل على تلبية احتياجاتنا ، وليس من المنطق أن نجلد المبتدئ عند تعثره ، فإن انتقدنا لابد أن ننتقد بحب وصدق فنطرح الحلول والبدائل بدون تحريض ، فأمننا وسعادتنا تحتاج منا تقدير الخطر المحيط بنا ، فنتحد بذكاء ، ونصبر بذكاء ، ونتطور بذكاء .
أخبرته بأولوياتي ، وأن حبي يكون لديني ثم وطني ومليكي عبدالله حفظه الله.. وأن حب وطني ومليكي عندي أضعه قبل حبي لصديقاتي ، وعندي استعداد بالتضحية بأي صديقة من أجل وطني ، فمن لا تفي مع سعوديتي لن تفي معي ولن تعرف معنى المسؤولية ، وقصصت له وقائع حصلت لي مع بعضهن من أجل وطني ومليكي ، حماسه وأسئلته اثبتت لي تشربه لأولوياتي ليكون مستقل لا تابع مهما كان فكر من يصادفهم.
اخذ جهازي وغاب عني دقائق ، عاد ليطلب مني ان أطبع له أنشودة للمنشد صالح اليامي ، يريد أن ينشدها لمدرسته .. أبياتها :
يا وطن حبي لأرضك ما يشيب
والحياة بدون عزك ما تطيب
لو تلطفنا لغيرك بالكلام
ما يعادل قدرك الغالي حبيب
يا وطن مهما كتبت من القصيد
حالفا والله على قولي حسيب
ما يعبر عن شعوري والغرام
أنت طيبا فارقاً عن كل طيب .