إن تشابه الأحداث اليومية التي تمر بنا كمجتمعٍ واحد وأبناء جلدةٍ واحدة تجعلنا نشعر بمدى التقارب الفكري والروحي والثقافي ، وهذا بحد ذاته يولد الإحساس بأننا أسرة واحدة حتى وإن أبى البعض الرضوخ لهذه الفكرة .
بيد أن انتمائنا هذا لايمنع من ايجاد حالة من نقد أحدنا لما يقوم به الآخر من ممارساتٍ يومية أو حتى يتفوه به من كلماتٍ وحروف ، مما سيكون له الأثر في مد بساط المساجلات وفتح باب الجدالات حول تلك الممارسة أو هذه الكلمات وجعل كل أحدٍ يسعى جاهداً للدفاع عن موقفه وتبرير دوافعه التي انطلق من خلاله لما انتقد عليه .
والمؤسف حقاً أن تنتقل هذه الأطروحات الفكرية النقدية التي تولدت عن قيام أحدنا بممارسةٍ ما وقيام آخر بنقد تلك الممارسة من فرصة لنشل بعضنا البعض من وحل الفشل أو الدفع به لمنصة النجاح إلى ميدان تقاتلٍ وصراعٍ وسبابٍ لايجف ولا ينقطع .
الترسانة فيه هذا الصراع عقولنا المغيبة خلف الدفاع عن الموقف بغض النظر عن صحته أو الذات التي نجلدها بلا هوادة فلا نبقي ولا نذر .
يقول الاستاذ الدكتور / عبدالكريم بكار : في كثير من الأحيان لا نستطيع أن نتصور حجم الإساءة للآخرين إلا إذا وضعنا أنفسنا في موضعهم ، أو إذا تفحصنا فيما يسئ إلينا من أقوالهم وتصرفاتنا . انتهى
وهذا القانون يكفي لأن نزن اللغة والصورة التي من منطلقها ننقد ممارسة الآخر ، فلن يكون الاشخاص أكثر إنصافاً للغير مالم يتصورا أنهم من قاموا بذلك العمل أو تلك الممارسة ، فبظني أن هذا القانون سيجعلنا نمسك العصا من المنتصف بدقةٍ أكبر ورضىً أعمق .
كثير من اختلافاتنا تتحول إلى ( خلافات ) وذلك يكون ناتجٌ طبيعي لتمسك كلٌ منّا بنموذجٍ مثاليٍ عن ذاته وآخرٌ مهزوزٌ متهالك عن غيره فتصبح آلة النقد سوط عقاب ، وتصبح النصيحة معول هدم وتصبح الكلمة الطيبة أخدود يلقى فيه كل شعورٍ نبيلٍ ويحرق .
إن محاولة النقد لكل ممارسةٍ تحت رحمة المثالية وادعاء النزاهة من الوقوع في النقص يجعل أحدنا كما قيل : كمن أراد أن يهشّ الذبابة عن وجه أخيه فهشّمه بصخرة ، والحق ظاهرٌ أبلج لمن أراد حقاً أن يراه فلذا يجب التفريق بين النقد ومحاولة التخطئة وشتان بين هذا وذاك .
فاصلة للتأمل ،، يقول الأستاذ الدكتور / عبدالكريم بكار : مهما كانت منهجية التفكير لدى الواحد منا ناضجة،ومهما كانت إمكانياته الذهنية عالية ، فإنه يظل مهدداً بأن يزل الطريق القويم وهو يحاول فهم الواقع أو التنظير لأمر من الأمور أو معالجة مشكلة من المشكلات ، وذلك يعود إلى عدم تمتع الإنسان بما يكفي من اليقظة الفكرية وبما يكفي من التجرد من الهوى والتحلي بالإنصاف ، انتهى.
ولعل إسقاط كلام الدكتور على واقعنا يفيد كثيراً في خلق الاتزان المفترض لنقد كلٌ منا الآخر وتصيح مساره دون تجريحٍ وتقليل من الذات .
Twitter:@kozamm222